الحزب الاتحادي الديمقراطي (1)
ما يزال الأكثر تأهيلاً لأن يكون حزب الوسط في الساحة السودانية
بروفيسور :محمد عثمان عبد المالك *
اتخذ الانتقاد الموجه للحزب الاتحادي الديمقراطي على اعمدة الصحف مؤخرا منحي جديدا اذ تحول من مرحلة القدح في ادائه ووضعه التنظيمي والمؤسسي الى مرحلة الطعن في اهليته ليكون حزبا للوسط السوداني، وائكال هذا الدور حسب سيناريوهات ثلاثة: اما لحزب المؤتمر الوطني الحاكم «مع اقتراح بان ينضم اليه لتحقيق هذا الغرض كل من الحزب الاتحادي وحزب الامة المسجلين» او لحزب قديم - جديد يكون نواته الحزب الوطني الاتحادي سابقا، او لحزب جديد ينشأ من الصفر. وللاسف لم يتصد اعلام الحزب الاتحادي الديمقراطي لهذا الطرح الذي يسعي لسحب البساط من تحت ارجل الحزب بتجريده من ميزته الرئيسية علي باقي الاحزاب كحزب وسط جامع.
وهذا ما حدا بي الى تناول هذا الموضوع ، مشيرا من جهة الى مدى ائفاء هذا الحزب بالمواصفات النظرية لحزب الوسط حسب ما اوردها كتاب المقالات، ومن جهة اخرى الى المتطلبات العملية التي يتعين على الحزب مقابلتها والمحاذير التي ينبغي عليه تجنبها للحفاظ على موقعه كحزب للوسط.
اولاً : هل يلبي الحزب الاتحادي الديمقراطي المواصفات النظرية المطروحة كحزب للوسط؟
ساورد اهم المواصفات كما طرحت في الصحف واعلق على مدى تلبية الحزب لها:
1) ان يكون حزبا قوميا يستوعب مختلف انواع التنوع الاثني والديني في البلاد:
لقد امتدت جذور الحزب الاتحادي في ارجاء السودان جغرافيا واثنيا ودينيا وقد عبر عن هذا مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بوصفه للحزب بانه «وطن في حزب» و أ. علي محمود حسنين بأنه «السودان المصغر» و أ. صديق الهندي بأنه «وطن مصغر» بل حتى الذين انتقدوا الحزب اعترفوا بأنه الحزب الوحيد الذي ينعكس حاله ايجابا او سلبا على السودان كله:-
فدينيا رغم ان الطريقة الختمية شكلت قاعدة الحزب الاساسية ورعايته التاريخية الا انه جمع بين صفوفه اعدادا كبيرة من مؤيدي معظم الطرق الصوفية الاخرى بل قد لا يقل عدد مؤيديه من الطريقة القادرية مثلا عن رصفائهم الختمية اضافة الى الأدارسة والسمانية والتجانية وغيرهم. كما يضم الحزب عدداً مقدراً من المسلمين غير المنتمين الى اي من الطوائف الإسلامية ومن غير المسلمين من مسيحيين جنوبيين وأقباط ومن العلمانيين أيضاً.
وجغرافيا واثنيا عكست عضويته كافة اقاليم السودان ومختلف كياناته القبلية، ورغم تركزها على شمال وشرق ووسط السودان فقد كان لها حضور مقدر في جنوبه مما اهل الحزب للفوز بعدد من الدوائر الجغرافية هناك على عهد الديمقراطية ، ويجد حاليا القبول والتقدير من ابناء الجنوب لمواقفه الايجابية حيال قضيتهم خاصة اتفاقية الميرغني قرنق وعلاقته الوثيقة حاليا مع الحركة الشعبية، كما له حضور جيد في غرب السودان ليس فقط في كردفان وانما في دارفور ايضا ، وقد ثمن ابناء دارفور موقف الحزب تجاه قضيتهم فدعوه للمساهمة الفاعلة في حلها ، وقد تبناها فعلا من خلال رئاسته للتجمع.
) ان يكون مستوعبا للقوى الحديثة في المجتمع السوداني:
لقد احتل الحزب الاتحادي موقعا متقدما في مختلف المؤسسات المهنية والعلمية وكان له شرف قيادة اتحادات المزارعين والعمال ونقابات المهنيين في العديد من دوراتها، كما كان له دور مميز وسط الرأسمالية الوطنية ، وعليه فقد كان سباقا الى ولوج ميدان «القوي الحديثة» في المجتمع واستطاع المزج بينها وبين «القوي التقليدية» ولم تكن لديه اي تناقضات بشان استيعاب مصالح هذه الفئات المتنوعة.
3) ان ينأى عن استخدام القوة للوصول الى السلطة:
لقد عرف الحزب الاتحادي بأنه حزب مسالم اذا لم تكن له ميلشيات مسلحة او جناح عسكري ولم يسع لإنشاء تنظيم او خلايا داخل القوات المسلحة كما لم يلجأ للعنف، ولعل هذا السلوك الحضاري كان من العوامل التي جذبت اليه الشرائح المستنيرة في المجتمع.
4) ان ينأى عن استغلال الدين سياسياً:
لم يتبن الحزب الاتحادي موقعا دينياً عقائدياً معيناً، والمعروف ان طريقة الختمية والطرق الصوفية الأخرى التي تضم الكثيرين من مؤيدي الحزب ظل خطابها الديني يتسم باليسر والسماحة وينأى عن الغلو والتطرف وقد ظل هذا التوجه الديني المعتدل دوما ديدن الحزب.
5) ان يتصف بالوسطية السياسية:
داخليا اتصفت توجهات الحزب الاتحادي بالاعتدال وروح الوفاق والحوار البناء مع كافة انماط الطيف السياسي في السودان والسعي للوصول الى ارضية مشتركة معها حول قضايا الوطن المصيرية «كما يتضح حالياً من موقفه المرن مع كافة الاطراف ذات الصلة بقضيتي الجنوب ودارفور»، وقد استوعب في قواعده بل وفي قياداته «مدى» الوسط السوداني بما فيه «يسار الوسط» من الاشتراكيين الديمقراطيين، ويمين الوسط من الإسلاميين المعتدلين وقد وصل عدد من هؤلاء وأولئك الى أعلى مناصب الحزب.
خارجيا يكاد يكون الحزب السوداني الوحيد الذي يمكن وصف علاقاته مع مجمل المجتمع الدولي بانها جيدة بما في ذلك جميع الدول العربية والافريقية واوروبا والولايات المتحدة الامريكية،ويحظي رئيس الحزب مولانا الميرغني بالاحترام والقبول لدى هذه الدول.
6) ان يتمسك بوحدة السودان:
من مبادئ الحزب الاتحادي الراسخة ايمانه القاطع بوحدة السودان ورفضه لانفصال اي جزء منه، وليس خافيا انه غير راض عن محور تقرير المصير في اتفاقية السلام ويسعي بكل قوة ان يكون خيار الوحدة هو الغالب عند استفتاء جنوب السودان، بل يتعدي حرص الحزب على وحدة السودان الى تبني الدعوة لوحدة وادي النيل كله.
7) ان ينتهج الديمقراطية والمؤسسية والشفافية:
لعل هذه النقطة التي تركز حولها معظم الانتقاد للحزب الاتحادي واستغل البعض مؤتمر المرجعيات لإثارتها مجدداً، وفي تقديري ان هذا المؤتمر قد حمل اكثر مما يحتمل ، فلم يقل القائمون على امره انه مؤتمر عام ولا حتى مؤتمر تداولي بل اختاروا له مسمي «المرجعيات» ولعله يدخل لاول مرة في قاموس السياسة السودانية للتدليل على طبيعته الخاصة، كما حددوا عضويته حسب هذه المرجعية نظراً للظروف الاستثنائية، التي يمر بها الحزب وبعض قياداته، وحددوا هدفه كخطوة مرحلية نحو التفعيل التنظيمي للحزب ، وقد وصفه أ. علي محمود حسنين بأنه أتى امتداداً لنهج «التراضي» الذي سار عليه الحزب في مثل هذه الظروف وأنه البداية في طريق المؤسسية وليس النهاية ، ومن هذا المنطلق أرى أنه قد حقق هذا الهدف، كما من إيجابياته أنه قد حدد بوضوح ولأول مرة قيام المؤتمر العام للحزب بعد عام من الآن وقرر حل مؤسسات الحزب القائمة تمهيداً لعقد المؤتمرات الفرعية والقطاعية وصولاً للمؤتمر العام، كما أنظر إليه بمثابة «تمرين تسخين» كما يقال في منشط كرة القدم لتفعيل المؤسسية في المرحلة القادمة.
أما ما يقال حول استئثار الختمية وأسرة الميرغني بأمور الحزب فيكفي ان أشير هنا إلى ما أكدت عليه تجربة حزب المؤتمر الهندي «الذي يعتبر حزب الوسط في الهند» من جدوى ونجاح المزج بين الإرث العائلي الكاريزمي من جهة والمؤسسة الحزبية الليبرالية من جهة أخرى.
أن تملك كوادره المعرفة والقدرة والخبرة لممارسة مهام الدولة العصرية:
لعل الحزب الاتحادي يمتلك من القدرات العلمية والمهنية ما لا يتوفر لأي حزب اخر سواء الموجودين منهم داخل السودان أو العاملين في الخارج، وقصور أجهزة الحزب عن الاستغلال الأمثل لهذه القدرات لاينفي أنها موجودة ومتاحة ويمكن ان تستحث للعب الدور المنوط بها مستقبلاً.
عدل سابقا من قبل الشريف في الثلاثاء نوفمبر 25, 2008 1:05 pm عدل 1 مرات
الأحد نوفمبر 11, 2012 8:18 pm من طرف الشريف
» لقاء مولانا مع صحيف السوداني هذا ردي على سؤال الترشح لرئاسة الحزب
الأربعاء نوفمبر 07, 2012 9:19 pm من طرف الشريف
» لقاء جريدة الشرق الاوسط مع مولانا
الخميس ديسمبر 01, 2011 2:35 pm من طرف الشريف
» بيان هام من الحزب الإتحادي الديمقراطي...
الأربعاء نوفمبر 16, 2011 1:47 pm من طرف الشريف
» الصواعِق النارية في الرد على الطيب مصطفى مؤجج العنصرية!!!
الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 3:00 pm من طرف الشريف
» مولانا الميرغني: المشاركة في السلطة ليست الأساس للاتحادي
الإثنين أكتوبر 24, 2011 5:00 pm من طرف الشريف
» شيخ المناضلون علي محمود حسنين في الذكري 46 لثورة أكتوبر المجيدة
الإثنين نوفمبر 08, 2010 9:31 pm من طرف الشريف
» مولانا لصحيفة الشرق الأوسط (لا تفريط في «سنتيمتر» واحد من أرض المليون ميل مربع)
الأربعاء يوليو 28, 2010 5:58 pm من طرف الميرغني
» الوصايا العشر لمن يريد أن يكون وزيراً فى التشكيلة المقبلة؟
السبت يونيو 05, 2010 6:17 pm من طرف الشريف